حين تتخشب جدران الفؤاد و يعلوها الصدأ ،
نبحث عمن يجعلها نابضة لامعة ..
فلا يظننّ أحد أن قلبه ممتلئ تماماً ..
في نفس كلّ منا زوايا تبقى فارغة تبحث عمن يملأ فراغها
و تتبعثر في متاهات الدروب علها تجد مرادها ، في لوحة ،
في خاطرة ، في قصيدة ، في شخص ، في عمل نافع ....
مساكين هم الذين امتلأت ساحات قلوبهم فلم يعد عندهم متسع لجديد ،
و لا فضول لقادم ، و لا تطلع لخطوات أخرى ،
حينها يتحول امتلاء قلوبهم إلى روتين و فراغ و دائرة مغلقة
تتطابق نقطة بدايتها مع نقطة النهاية .
و القلوب كما المساكن ، يقطن فيها أهلها الحقيقيون فيدارونها ،
و يحافظون على نقائها ، و أثاثها و أبوابها و نظافة جدرانها و مرافقها ،
فإذا حلّ بها مستأجر عابر أو قاطن دخيل أو متطفل مستغل لم يهمه منها
إلا تحقيق المأوى و المبيت ، فيعيث فساداً في جنباتها و يشوّه جمالها
و يحيل أناقتها إلى فوضى لا ترضي ناظراً أو سامعاً .
هنا على شارع الحياة و دوّار الصفاء يقع قلبي الصغير في حجمه ،
الواسع في سكناه و اتساعه ، سأفتح أبوابه لأهله الحقيقيين
المخلصين الأوفياء ليستظلوا شرفاته و يتنشقوا عبق وروده
و يتنعموا بنثره و نظمه و يحافظوا على توازنه و انفعالاته و ثورته و هدوئه .
و عندما لا أجد من يستحق ذلك سأبقيه مغلقاً خالياً يبني العنكبوت في زواياه ،
و تسكن الغبار سطوح أثاثه ، و تنتشر رائحة الفراغ في أروقته
و لست في ذلك من النادمين ، أجل لن أندم فقد تعودت أن أشرب الزلال أو أبقى ظامئاً ،
و أن أرتقي القمة أو أبقى في القبر ، و أن أزرع الورد أو لا أقبل بمهنة المزارعين .
لن أرفع لافتةً في الطريق تقول للعابرين و الراكبين
و المشاة تعالوا استأجروا قلبي وفق سوق العقارات
الرائج ارتفاعاً و نزولاً، كلا و لن أبيعه لأن كل اموال الدنيا لا تعادل نبضته.
كم أرثي لحال من يتسوّلون حباً زائفاً ، و إعجاباً عابراً ،
و مشاعر للمجاملة لا للبقاء فهم يشبهون من يحاول تأجير قلبه .
لا ، لا ، في زمن تأجير المشاعر و العواطف و الأحاسيس ليس قلبي للإيجار أبداً .