سند أبو بكر الأنباري عن أبي أمامة الحمصي قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من أعطي ثلث القرآن فقد أعطي ثلث
النبوة), ومن أعطي ثلثي القرآن فقد أعطي ثلثي النبوة, ومن قرأالقرآن
كله فقد أعطي النبوة كلها غير أنه لا يوحى إليه, ويقال له يوم القيامة:
اقرأ وارق, فيقرأ آية ويصعد درجة حتى ينجز ما معه منالقرآن, ثم يقال
له: اقبض, فيقبض ثم يقال له: أتدري ما في يدك؟ فإذا في يده اليمني
الخلد وفي يده اليسرى النعيم , ومعنى العطاء هنا: العمل بما ورد في القرآن فعن الحسن قال:
قال رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم: من أخذ ثلث القرآن وعمل به فقد
أخذ أمر ثلث النبوة, ومنأخذ نصف القرآن وعمل به فقد أخذ أمر نصف
النبوة, ومن أخذ القرآن كله فقد أخذ النبوة كلها.
فالأعمال الباطنية التي ينبغي أن تصاحب التلاوة هي عشرة أيضا:
أولها:
فهم عظمة الكلام وعلوه وفضل الله سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه بإنزال
القرآنالكريم وأنه قد سمح لنا أن نتلو كلامه القديم, وأن نفهم معناه رحمة
بنا وهداية للمتقين.
ثانيها:
تعظيم شأن المتكلم, فلابد للقارئ عند بداية التلاوة أن يستحضر في قلبه
عظمة المتكلم سبحانه وتعالى ويعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر, وأن
الأمر جد لا هزل فيه.
ثالثها: حضور القلب ومحاولة ترك حديث النفس, وقد قيل في تفسير قوله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم:12] أي بجد, اجتهاد, وأخذه بالجد: أن يكون متجردا له عند قراءته ومنصرف الهمة إليه عن غيره.
ورابعها: التدبر ولو احتاج إلى أن يكرر الآية وأن يقف عندها فعليه أن يفعل ذلك.
خامسها:
التفهم وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها, إذ القرآن يشتمل على ذكر
صفات الله سبحانه وتعالى وذكر أفعاله وذكر هدي الأنبياء وذكر أحوال الأمم
وذكر يوم القيامة وذكر الجنة والنار وذكر التكليف وذكر الطاعات والمعاصي
والأوامر والزواجر, فلابد على القارئ أن يكون حريصا على طلب ذلك الفهم,
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن
ومعنى تثوير القرآن: أن يقرأه بتدبر, وهذا التدبر يجعل الإنسان عارفا
بنفسه ومن عرف نفسه عرف ربه, وكلما تدبر الإنسان في القرآن استخرج منه
معاني وعجائب لا تنتهي, قال تعالى: {قُلْ
لَوْ كَانَ البَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ
قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:109] وكان علي رضي الله عنه يقول: لو شئت لأوقرتسبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب.
سادسها: التخلي عن موانع الفهم فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب أسدلها الشيطان على قلوبهم فحجبت عنهم أسرار القرآن كما قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الإسراء الذي أخرجه أحمد عن
أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم أن
لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض, ولولا ذلك لرأوا العجائب,
ومن أسباب عدم الفهم: أن يكون الهم منصرفا إلى تحقيق الحروف وإخراجها من
مخارجها فينشغل الذهن بهذا عن التدبر, ومنها: التعصب لرأى سمعه من غير
تحقق لبصيرة أو مشاهدة, ومنها: الإصرار على الذنوب والتكبر والطمع في
الدنيا واتباع الهوى, فكل ذلك يحرم الإنسان من فهم القرآن, وقد أخرج
الحكيم الترمذي في نوادر الأصول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا
عظمت أمتي الدنيا نزعت منها هيبة الإسلام, وإذا تركت الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي قال الفضيل بن عياض: يعني حرموا فهم
القرآن.
سابعها:
هو أن يوقن أن خطاب القرآن إنما هو موجه إليه, فإذا مر بأمر أو نهي قدر
أنه هو المنهي وأنه هو المأمور, وإذا مر بقصص لم يأخذها على أنها حكاية
لتاريخ مضى بل يأخذها على أنها هداية لمستقبل آت, وهذا يفتقده كثير من
الناس حتى خفيت المعاني.
ثامنها:
التأثر, وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له
بحسب كل فهم حال ووجد يتصف به قلبه من الحزن أو الخوف أو الرجاء ونحو ذلك.
تاسعها: الترقي, وهو استحضار رب العالمين وأنه وكأنه يقرأه بين يدي الله فإنه كما قيل: إن الله تعالى تجلى لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون, وكان عثمان يقول:لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن, وكان ثابت البناني يقول: كابدت القرآن عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة, وذلك حقيقة الترقي.
عاشرها: التبري,
وهو أن يتبرأ القارئ من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بعين الرضا
والتزكية, فإذا تلا آيات الوعد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك بل
يتشوف إلى أن يلحقه الله بهم, وإذا تلا آيات ذم العصاة والمقصرين خاف
على نفسه, وقدر أنه مخاطب إشفاقا ورحمة, وقد قيل ليوسف بن أسباط: إذا قرأت القرآن بماذا تدعو؟ فقال: أستغفر الله من تقصيري سبعين مرة.